الاكتئاب العصابي؟
يعيش الفرد ضمن بيئة يتفاعل معها ويستجيب لها، ويسلك تجاهها سلوكاً معيناً وهدفه من وراء ذلك التكيف مع هذه البيئة، وضمان بقائه، وتحقق مطالبه وأهدافه.
وطبيعي أنه كلما تعقدت شروط الحياة، واضطربت ظروف البيئة التي تحيط بالفرد أدى هذا إلى كثرة المشكلات التي تواجهه، وعقّد هذا من عملية تكيفه.
والمدينة الحديثة اليوم تتميز بتعقدها، وزيادة متطلباتها، فقد تغيّر أسلوب الحياة فيها تغيّراً واضحاً ظهر في اتساع العلاقات الاجتماعية وتشابكاتها إلى درجة كبيرة مما أفقدها صفة الكل المتكامل، وأصبحت الحياة الإنسانية خليطاً معقداً من المثيرات والمواقف، وأصبح الفرد يتلقى العديد من التحديات المعيشية والضغوط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية و.. وهو في كل ذلك مطالب بالاستجابة لها، وتحقيق التوازن بينه وبينها.
يضاف إلى ذلك أن التغيّر السريع والتمايز الواضح في حياتنا الحديثة جعل من الصعب على الفرد تحديد أبعاد فرديته ومفهومه عن ذاته ،فكثرة الاختلاف بين المواقف التي يواجهها، وتعدد الأدوار التي يلعبها، وتنوع أنماط السلوك التي تتطلبها هذه الأدوار، كل ذلك جعل من عملية تكيّفه، أمراً صعباً، وجعله في كثير من الأحيان يعاني الصراع ومشاعر التوتر والقلق، ويلجأ إلى أنواع من السلوك غير السوي، كمحاولات تكيفية غير سليمة يحاول بها حل مشكلاته.
والتغلب على صراعاته وعوائق بيئته، والدليل على ذلك أنه تشير الإحصاءات في مختلف بلدان العالم ولاسيما في أميركا إلى زيادة عدد الأفراد الذين يعانون من سوء التكيف ومن الاضطراب النفسي وبزيادة كبيرة، والتي أدت بدورها إلى أشكال مختلفة من الإجرام والجنوح..
لذلك نجد بأن الفرد لا تقتصر آلياته بالدفاع ضدّ قلقه، ومصادر إحباطه، وضرب صراعه على آليات التلاؤم السوية بل يلجأ في حالات إخفاق هذه الآليات وتفاقم القلق والإحباط والصراع إلى آليات تلاؤمٍ غير سوية تدعى آليات التلاؤم العُصابية أو الذهانية وهي عديدة منها، الهستيرية، المخاوف المرضية أو الرُهاب. النوراستانيا أو الوهن العصبي، الفصام أو السيكزوفرينيا.
وسوف نأخذ في موضوعنا هذا شكلاً من أشكال العُصاب وهو الاكتئاب العصابي، والذي يبدو على شكل اضطرابات انفعالية شديدة تؤذي الفرد وتجعل تصرفه غير مقبول في عدد من المناسبات ولكن لا يعطل قدرته على التفكير ولا يقطع الصلة بينه وبين المحيط حوله، تقع هذه الحالات في مرتبة دون الذهان من حيث شدتها ومقدار الأذى الذي يصيب الفرد منها، ولكنها تنطوي مع ذلك على احتمال التطور باتجاه مزيد من التعقيد، وتضع الفرد في مواقف حرجة أحياناً.
ما معنى العُصاب؟
تشمل حالات العُصاب أو الانحرافات العصابية فئة معينة من الاضطرابات النفسية تبدو عند بعض الأشخاص وتتميز بأعراض أساسية، إلا أن تنوع هذه الأعراض، وتداخلها أحياناً، ساعدا معاً في إيجاد عدد من الصعوبات في الوصول إلى تمييز قاطع بين بعضها، كذلك ساعد تنوع الثقافة في المجتمعات الإنسانية، والاختلافات حول ما هو سليم ومقبول وما ليس كذلك، على التفاوت في التحديد.
وفي كل الحالات نقول إن العصاب هو اضطراب نفسي شدته شدة الغضب الإنساني المألوف، ومن هذه الجهة هو انحراف ملحوظ عن المقبول والمألوف، وإذا ذهبنا إلى مزيد من التحليل، فالعصاب فيه شدة في التوتر الانفعالي، وهو شكل من أشكال سوء التكيف واضح الشدة والأثر.
وهو سلوك مضطرب يؤذي الشخص ويجرح صحته النفسية، وكفايته الاجتماعية، وفائدته في المجتمع الذي يعيش فيه، من غير أن يجعله عاجزاً عن الإنتاج أو عدواً للمجتمع، إذ كثيراً ما يحدث أن تمضي أيام طويلة دون أن تظهر آثار بعض أشكال العصاب عند الفرد المصاب، حين يبقى بعيداً عن تلك المناسبات التي تتصل بالعصاب لديه.
إن تكرار حالات العصاب في بلد ما أمر لا يعرف بدقة لأسباب متعددة، فالغالب في حالات العصابي ألا يستشير طبيباً أو معالجاً نفسياً، والمعلومات في العيادات عن العصابيين غير كافية، والدراسات التتبعية في مجال العصاب ماتزال أقلم مما يلزم وما يسمح بتقدير مناسب لمدى تكرار حالات العصاب المختلفة. ثم إن هذه الحال قد أضعفت حتى الآن من قدرة البحث العلمي على التقصي الجيد للعوامل الكامنة وراء حالات العصاب وبخاصة منها ما يحتمل أن يكون عائداً إلى بنية الجسم وأجهزته.
إذ قد يكون التركيب الأصلي للجسم كما يقول "جانيه" وفي الضعف البنيوي بشكل خاص. وقد يكون في إفراز الغدد كما يقول "أفاريز" حين يلحّ على مكانة الغدة الصنوبرية في حدوث العصاب، وقد يكون في تركيب العوامل الكيميائية ووظائفها وتفاعلها داخل الجسم كما يرى "فابن"، وقد يكون في الجهاز العصبي كما يقول "بافلوف".
وقد يكون وراء العصاب الكبت كما يقول "فرويد"، أو الفشل في تحقيق الذات كما ترى "هورني"، أما الاتجاه الذي أوافقه نوعاً ما فهو أن العصاب أسلوب تكيفي منحرف التجأ إليه الشخص أمام ضغط يأتي من ظروف متنوعة ووجد فيه بعض الفائدة وتكرر لديه، فهو أسلوب منحرف لأنه ينطوي على الاضطراب الشديد الذي يسمح بوضعه بين أشكال سوء التكيف من شدةٍ ملحوظةٍ، أما الفائدة التي يجنيها المصاب فتتمثل بما يشعر به من خلاص ومن بعد عن مخاطر لا شعورية حين يحتمي بمثل هذا السلوك ويعتمده، فالغالب، المصاب شخصية قلقة شديدة الحساسية وأساسها الطفولة المؤلمة والكبت والخبرات السيئة وخلو الأسرة من الحب والطمأنينة.
والاكتئاب العصابي موضوع بحثنا في الغالب لا نعثر على مسببات دقيقة التحديد لظهوره بيد أن المتلازمة الاكتئابية تبدو على أنها إنذار بسلسلة من الحرمانات:
- مهنة مملة لا فائدة منها، قليلة الجاذبية، قليلة المكاسب أو متعبة مع صراعات على أماكن العمل، منافسة أو ترفيع لم يُنل، ساعات عديدة تُقضى في وسائط النقل العامة المزدحمة أو في عرقلات السير المضادة، عدم وجود وقاية من أخطار العمل.
- تعب أو ضغوط متعلقة بالاستعجالات الصباحية أو المسائية من أجل إيداع الأطفال في دور الحضانة أو المدارس، تعب من أجل القيام بالمهمات في آخر الأسبوع بين جماهير الناس في المخازن الكبرى في الزحمة.
- توترات وصراعات دائمة بين الزوجين، والعائلة النواة والعائلة الموسعة، صراعات جوارية، مؤذيات صوتية.. الخ.
- هموم مالية شتى "قروض، كمبيالات، ضرائب.. الخ".
- تغيير مكان الإقامة في المدينة أو المناطق..
- عزل عاطفي أو اجتماعي لسكان الحواضر والأرياف.
إن نمط الاكتئاب العصابي هذا هو أكثر فأكثر تواتراً ونعثر فيه نوعاً ما على جميع العناصر الموصوفة أعلاه.
وكذلك عندما يتعرض الشخص السوي إلى خبرات يضطرب تحت تأثيرها جانب أو أكثر من جوانب حياته الوجدانية "وفاة عزيز، خسارة مادية، إحباط" له آثار سلبية تظهر عليه علامات الحزن والضيق والقلق، ولكن هذه العلامات تبقى في إطار السيطرة الإرادية، وتنسجم مع المثيرات التي أحدثتها، ولا يلبث صاحبها أن يعود إلى حالته الطبيعية وإلى أعماله المعتادة، بعد تقدير الموقف وتقويمه بشكل موضوعي، وبهذا المعنى فإن مشاعر الحزن في المواقف التي تستثيرها فعلاً هي مشاعر عادية طبيعية، ويشير وجودها إلى حالة انفعالية طبيعية، وإن أحاسيس الهمّ والضيق والكرب نشاطات انفعالية معممة على كل البشر ولا ينبغي أن يفسر وجودها على أنه اضطراب ينشغل صاحبه به وإنما ينبغي عدّها مشاعر مرتبطة بمواقف حياتية تثيرها حقاً.
وهكذا لا تدخل مشاعر وأحاسيس لها ما يبررها في الواقع كتلك التي أوردناها ضمن مقومات الاكتئاب طالما بقيت في إطار الاستجابات المعقولة بعيدة عن المبالغة المرضية، ولكن ما إن تبدأ الردود الانفعالية بتجاوز ما يستثيرها في الواقع، وبالتأثير في وظائف الفرد وإنجازه حتى نكون أمام بداية اضطراب يتميز أصحابه بغلبة الكآبة والسوداوية في معظم نشاطاتهم بعامة وبانخفاض في النشاط النفسي والعضوي بخاصة، يمكن أن يكون معرضاً للتطور أكثر إلى درجة إيذاء الشخص لذاته معنوياً بالتقريع والتحقير، ومادياً بالاعتداء عليها ومحاولات الانتحار التي قد تنجح ويتوج بذلك سلسلة من الاستجابات المبالغ بها على مثيرات معروفة، وقد سُمّي هذا الاكتئاب لذلك بالاكتئاب العصابي وعدت أسبابه خارجية تسندها استعدادات ذاتية داخلية، وكذلك يمكن تسميته باكتئاب ردّ الفعل، إذا ما جاء استجابة لصدمة عنيفة ومؤثرة وتكون في هذه الحالة فترته قصيرة نسبياً.
يتضح مما تقدم أن درجة الاكتئاب وحدته تتوقف على طبيعة استجابات الفرد تجاه مشكلات الحياة وعلى قدرته على إبقاء ردود أفعاله في حدوده المعقولة والتقليل من المبالغة بحيث لا يؤثر موقف الحزن على إنجازه، وبالتالي فإنه كلما كانت الاستجابة أكبر مما يتطلبه المثير فإن الاحتمال أكبر لتطوير شكل الاكتئاب والانتقال من المبرر موضوعياً إلى الشكل المبالغ به "العصابي" فيضاف إلى مشاعر الحزن والكآبة مشاعر التشاؤم والتوتر والقلق وفقدان القيمة.
وإننا نجد بأن انتشار الاكتئاب العصابي كثير بين الناس، وإن عامل الوراثة في حدوثه ضعيف التأثير. وإن الناس المصابين به هم أشخاص عصابيون أي عندهم استعداد للقلق والهموم، وعلى درجة واضحة من الحساسية، وقلة النضوج العاطفي، والاكتئاب العصابي يحدث في أي سنّ من عمر الإنسان، أسبابه نفسية. محيطية. خارجية. وليس شرطاً أن يحدث المرض نتيجة لأمراض سابقة أصيب بها الفرد، ويبدو مظاهر العُصاب عند المساء غالباً، فالنوم صعب في أول الليل ومضطرب أثناءه، والاكتئاب العصابي لا يؤدي غالباً إلى الميول الانتحارية.
كيف نعرف المريض بالاكتئاب العصابي؟!
- يكون قلقاً بصورة عامة بشكل شديد، وأحياناً مسرحياً بعض الشيء.
- يؤنب المريض نفسه، لكنه يريد أيضاً وبخاصة أن يُصغى إليه، أن يُرثى لحاله، أن يشدّ من عزمه، إلا أنه في معظم الأحيان يتهم الآخرين، أو القضاء والقدر، ويكون لديه ميل إلى أن يستدرّ الشفقة على مصيره، إنه يشكو بشكل بائس من حالته الفيزيائية، النفسية، أو من وهَنه ومن شعوره بالعجز.
- يمكن أن تتخذ الشراهة والتبعية العاطفية طابعاً طغيانياً وعدوانياً تجاه المحيطين، ويكون المريض بصورة عامة، آنياً جداً حساساً للكلام المشدّد للعزم.
- ويكون البطء النفسي الحركي مكتوماً، الأمر الذي يتيح حدوثاً للقلق وللشكاوي أكثر تهويلاً، وكذلك للاضطرابات الوظيفية، أي في لواقع لتظاهرات العصابي المضمر.
- إن المريض يجري إسقاطاً لنفسه في الواقع ويبحث عن التواصل.
- وتبدو التصرفات "الانتحارية الكاذبة" وحتى الابتزاز بالتهديد بالانتحار على أنها "بشكل معتدل" صادقة لكن ينبغي أن لا يقلل أبداً من شأن الخطر الانتحاري إذ مع أنه أقل أهمية مما هو عليه الأمر في السوداوية يظل دائماً حاضراً.
- وغالباً ما نعثر في الشخصية العصابية على عناصر مضمَرة.. مثل، قلق فيزيائي، نفسي وسلوكي من عصاب حصري، وبهلوانية، تبعية، قابلية إيحاء وأعراض تحويلية لعصاب هستيري "هراعي"، ورأي مسبق بالهرب، التجنبات، ومخاوف نوعية من عصاب رهابي، وسواس وشعائريات عصاب وسواسي.
أما التشخيص التفريقي فيطرح مع كل الحالات الاكتئابية وعلى الأخص مع نوبة سوداوية، إذ من الممكن أن تتعقد الحالة وتعطي التنبؤ بالخطر الانتحاري، أو خطر نكاسي أو خطر تصرفات مضاعفة "كحول، عقاقير، زيادة استهلاك أدوية".
أو خطر الانتقال إلى حالة الإزمان مع لازماتها المتواترة، فقد العمل، معاش، عزل اجتماعي.
أما المعالجة لهذه الحالة
يكون الاستشفاء لازماً في حالة خطر انتحاري موسوم، خطر شعور بالإثم الكبير، خطر عزل اجتماعي أو صراعات جد واضحة مع المحيط، وينبغي أن تكون الإقامة قصيرة الأمد من أجل تجنب التراجع الجسيم واللجوء إلى المرض، وتكون المعالجة السائرة مدعاة للاستعمال في الحالات الأخرى مع: استشارات متواترة في البداية وبعدئذ متباعدة مع تجنب التوقفات عن العمل أو جعلها محدودة إلى أقصى حد.
* مضادات اكتئاب بجرع تدريجية.. يكون فعالاً خلال فترة كافية.
* معالجة نفسية داعمة منهجية وأحياناً معالجة نفسية مستوحاة من التحليل النفسي، وحتى علاج نمطي نادر.
* معالجات سلوكية فردية أو زمرية قد تجدي نفعاً سواء ارتبطت أم لم ترتبط بالمناهج الاستقرائية.
وحسبنا أن نعرف بأن الاكتئاب العصابي موضوع معقد لأنه حالة تقع بين اكتئاب سوي ومألوف واكتئاب ذهاني.
ولكن من بين أعراضه الخاصة ما يكفي لدعم القول بوجوده على شكل عصاب يختلف عن القلق العصابي والخوف العصابي من جهة، وعن ذهان الاكتئاب من جهة أخرى، إنه انقباض شديد ينطوي على الكثير من مشاعر الحزن واليأس وانخفاض المعنويات وتقدير الذات ولكنه لا ينطوي كما أسلفنا على تعطل في الفكرة أو انقطاع عن العالم الخارجي أو عن العمل.
والشخص المصاب بحالة عصاب الاكتئاب هو شخص حزين، سوداوي، عابس، بائس، تعيس، يبدو باستمرار وكأن السعادة قد تنكرت له، وكأن الغم يلف حياته، ينزع دائماً إلى نقد ذاته ويقود هذا إلى محاولات الانتحار ولأنه يشعر بأن ليس له قيمة وعليه التخلص من حياته، ويبدو كذلك أقل اهتماماً بما كان يهتم له اهتماماً شديداً من قبل، وأنه معزول عاطفياً عن حوله، ولا تبقى عنده محبة نحو من كان يحبهم من قبل إلا إذا كان ملزماً على البقاء معهم، وفي هذه الحال يلاحظ وكأنه يجبر نفسه على الاستمرار في تقديرهم أو محبتهم، ثم إن إدراكه للعالم الخارجي حوله يصبح مصطبغاً بعزلة داخلية، والشيء الذي كان جذاباً ومشوقاً من قبل يصبح الآن أقرب إلى السواد أو انعدام الجاذبية والحياة فيه.
والمكتئب عصابياً، يكشف في حركاته وسلوكه عن بعض الاضطرابات الجسدية، بينها الشعور بالتعب من دون أن يكون هناك مصوغ لذلك، والارتخاء والشعور العام يضعف النشاط والقدرة على الحركة، وتنتابه من آن لآخر، أوجاع في الرأس والظهر وبعض الشكوى من اضطرابات معوية، ويغلب في نومه أنه مضطرب، ويظهر ذلك في صعوبة الإغفاء، والاستفاقة المبكرة، التي تجرّ التعب معها عادة والشعور بضعف النشاط في الصباح، ويلحق بذلك أننا كثيراً ما نجد بعض المصابين بالاكتئاب العصابي يشكون من النعاس.
والحاجة الملحة إلى النوم، وعلى الرغم من أن المظاهر النفسية هي الغالبة، فإن الشكوى من الاضطرابات الجسدية قد تغدو مسيطرة على الأعراض النفسية، وقد تخدع المعالج غير الحذر، وتدفعه إلى تشخيص وجود اضطراب جسدي، وثمة أعراض عامة أخرى تكشف عنها الملاحظة: بينها كثرة التنهد، والوجه المتجهم الذي يندر أن تزوره الابتسامة، والصوت الذي لا حياة فيه، والمزاج الحزين، وسرعة ذرف الدموع، والتشاؤم عند كل تصرف، ولا يشكو المكتئب العصابي عادة من الاضطراب في الكلام، ولكن قد يجد من الصعب عليه الاستمرار في حديث طويل.
وكثير من الناس يختلط الأمر لديهم وخاصة من غير المختصين بين الاكتئاب العصابي والاكتئاب الذهاني فهناك كثير من المظاهر التي تبدو في الاكتئاب العصابي لا تشاهد كذلك في الاكتئاب الذهاني ويكون هذا الاشتراك بين العوامل التي تدعو بعض الباحثين إلى القناعة بأن الاكتئاب يبقى نوعاً واحداً هو الذهاني، فالعامل أو العوامل في الاكتئاب الذهاني يصعب أن تُكتشف بينما يكون أمر اكتشافها سهلاً في الاكتئاب العصابي، ثم إن الأعراض الفيزيولوجية أكثر عمقاً واستمراراً في حالة الاكتئاب الذهاني، أما النزوع الانتحاري فيظهر في الذهاني ويكون من نسبة ملحوظة، بينما يندر جداً في الاكتئاب العصابي، والكلمات نفسها تقال عن محاولات الانتحار، ثم إن تحقير الذات أكثر عمقاً وتنوعاً في الذهاني مما هو الحال في العصابي من الاكتئاب والعجز عن الحركة والتصرف أشد في الذهاني مما هو ظاهر في العصابي وبخاصة ما يتصل بالجلوس الطويل والانعزال، وقلة الحركة والعمل، يضاف إلى كل ذلك أن التعطل العقلي لا يوجد من حيث الأصل في الاكتئاب العصابي، بل يوجد في الاكتئاب الذهاني، والمكتئب العصابي يبقى قادراً على العمل وحسن الاتصال مع الآخرين ولا يحتاج إلى عناية في المستشفى وهذه كلها شروط لا تتوافر عادة في الذهاني.
0 Comments: