الذهاب الى الادمان
ينخرط بعض المراهقين في سلوك غير عقلاني بالمرة وذلك بسبب خوفهم من أن يكونوا ضعفاء وقليلي الحيل، عادةً ما يكون الولع الشديد بالمخدرات سلاحًا ذو حدين. فالإدمان يعمل كقناع يخفي المراهق وراءه مخاوفه وضروب قلقه، فحالة النشوة أو الانبساط التي يشعر بها تجعله يشعر بأنه متحرر من أية قيود نفسية وبلا مخاوف وبأنه قوي، وحيث أن هذه القوة الوهمية لا تدوم طويلاً فإن هناك حاجة مستمرة لتجديد وزيادة الجرعة. وفي الواقع فإن المخدرات تجعل الناس أقل قوة، فالاحساس بالقوة الذي يستخلصونه ليس سوى وهم، وبعد النشوة فإن المراهق يصبح أكثر وعيًا بضعفه العميق.. وإذ يعجز عن استيعاب هذه المعرفة الذاتية فإنه يصبح أكثر وأكثر اعتمادًا على المخدرات التي تساعده على نسيان ضعفه وهكذا يهرب إلى عالم الإدمان. إن الإفراط في تعاطي المخدرات مشكلة خطيرة، وبالفعل فإن جميع الحالات تتطلب مساعدة الطبيب النفسي، ومع ذلك فإن الإهتمام والتفهم الأبوي قد يكون لهما أثر بالغ النفع.. ففي بعض الحالات كان بمقدور الآباء الحيلولة دون حدوث هذه المشكلة، وفي كل حالات التدخل العلاجي على يد المتخصصين كان للتعاون الأبوي أهمية بالغة في تحقيق العلاج الناجح. ويؤثر إدمان المخدرات على النشء من كل طبقة اجتماعية ومستوى اقتصادي، فالإدمان ظاهرة واسعة النطاق في مدارسنا الثانوية وكلياتنا، بل في الصفوف العليا ببعض المدارس الاعدادية (وقد رأيت بنفسي في عيادتي بعض طلاب المرحلة الابتدائية الذين جاء بهم أباؤهم للعلاج من إدمان المخدرات). نادرًا ما يبدأ الإدمان في البيت ولكن إذا كان الآباء أنفسهم مدمني شراب أو مخدرات فإن الاحتمال الأكبر هو أن الأطفال سوف ينهجون نهجهم ولن يكون للوعظ والدروس الأخلاقية التي يعطيها الآباء سوى أثر ضئيل فعادةً ما تكون العبرة بالأفعال لا بالأقوال. كان ضمن مرضاى بعض النشء المصابين بإدمان المخدرات بدرجات مختلفة، كان أحدهم ملتحقًا بمدرسة خاصة وكان كبير مروجي المخدرات فيها، وكان ولد آخر ملتحقًا بمدرسة تديرها إدارة صارمة وكان كلا الأبوين من المواظبين على أداء الشعائر الدينية.. وكانت هناك فتاة مدمنة بصورة شديدة كان والدها ناظر مدرسة بينما كانت فتاة أخرى ابنة مديرة تنفيذية للأعمال الحرة وزعيمة منظمات نسائية.. وباختصار فإن المراهقين المدمنين يأتون من كل البيوت على اختلاف مستوياتها ونوعياتها ومن الممكن أن يكتسبوا هذه العادة في أى مدرسة حكومية أو خاصة، داخلية أو تقليدية. ولمجتمعنا حظه من مروجي المخدرات المجرمين الذين يكسبون قوتهم من بيع السم لشبابنا، ولكن الحقيقة التي مؤداها أن الكثير من النشء يقعون فريسة سهلة تجعل المرء يدرك أن هناك قابلية وسرعة تأثر واسعة النطاق إزاء السلوك المرضي. إن كل صور الإدمان تعد مرضية بصورة واضحة وذلك لأنها تخرق القانون الأساسي للحياة الإنسانية ألا وهو الحفاظ على الذات.. إن الخوف من إلحاق الأذى والضرر بصحة المرء وتجنب تدمير الذات يعدان من السمات الشائعة بين الذين يتمتعون بالصحة النفسية الصغار منهم والكبار على حد سواء. إن كل المرضى صغار السن الذين عالجتهم من إدماناتهم المختلفة كانوا يعلمون أنهم يضرون أنفسهم ولكنهم إما عاجزين عن مقاومة الإغراء أو أنهم أمعنوا في الإدمان إلى مرحلة كان يصعب عندها استخدام الحكمة والفكر السديد (أو أن أعراض انسحاب المخدر كانت شديدة وغير محتملة). وبينما اختلق البعض الأعذار لتفسير سلوكهم كان البعض الآخر يرى أن أجسامهم يمكن أن تحتمل أى سم. ويجب على المرء تجنب التعميمات المفرطة في البساطة عند تناول هذه المشكلة فكل حالة تختلف عن غيرها من الحالات وكل والد وكل مراهق يعد شخصًا فريدًا، ويلزم أن يضع المرء في الاعتبار جملة عوامل ثقافية ونفسية وأن يبحث عن العوامل التي دفعت المراهق إلى أن ينشد هذا الهروب المرضي من الحياة. ومن ذلك فإنه يوجد قاسم مشترك شائع وهو أن كل المدمنين ينشدون الهروبمن مشاعر أليمة بالنقص وعدم الكفاءة والضعف واليأس والاكتئاب، وبالفعل فإنهم جميعًا يدركون أنفسهم على أنهم غير قادرين على مواجهة مشكلاتهم سواء كانت جنسية أو أكاديمية أو غير ذلك.. إنهم يفتقدون الشجاعة على مواجهة الحياة بطريقة مباشرة وهم يشكون في إمكانياتهم ولا يعتقدون أن أى شخص راغب أو قادر على مصادقتهم، وفي الغالبية العظمى من الحالات نجد أن الإدمان سلوك يعبر عن اليأس. وسوف تثبت الأوصاف الآتية وجود تباين في الخلفية الثقافية وتشابه في الدافع النفسي عند المدمنين. أحضرت مريضتي الي كانت سيدة أعمال نشيطة متزوجة من رجل لامع ولكن ضعيف الشخصية وخانع بعض الشئ، أحضرت ابنها البالغ من العمر 15 عامًا إلى عيادتي، كان الولد ملتحقًا بمدرسة خاصة ولكنه بالرغم من ذلك تمكن من تكوين علاقات مع من أسمتهم أمه حثالة المجتمع في الحى الذي يسكنون فيه. كان الولد يفرط في الشراب وغالبًا ما كان يدعو أصدقائه للشراب على نفقته، وذات مساء عندما عاد الوالدان إلى البيت وجدا ابنهما يقيم حفلاً لمجموعة من الأولاد والبنات وكان بعضهم مخمورًا حتى الثمالة. وعندما قبض البوليس على الولد بتهمة السرقة من المحلات وغيرها دفع الوالد كفالة ثم وكل محامين لإثبات براءة ابنه، أخبرني الولد أنه كان آخر من يلقى إهتمامًا وأنه ما من أحد كان يحترمه في المدرسة الخاصة التي كان ملتحقًا بها، ولكن الصورة كانت مختلفة تمامًا في الحى الذي يسكن فيه حيث كان (ولد جن) وكان ندماء الشراب (حرسه الخاص). كان الولد صغير الجسم وخجول بعض الشئ، ولم يكن يعتمد على والده إطلاقًا ولذا فقط يستطيع وصفه بأنه خادم أمه، وقال الولد أن أمه كانت تمسح البلاط بأبيه الذي كانت تقاطعه كلما تكلم وتفرض رأيها وقراراتها عليه، وذات مرة عندما أخبر والده بأنه كان قد تلقى علقة ساخنة بالمدرسة أخبره أبوه بأن عليه أن يطلب مساعدة ونصيحة أمه. كان الشراب (إدمان الخمر) يعطي الولد الاحساس بالقوة الذي كان يتوق إليه، حيث يجعله يشعر بأنه قوي وشجاع، وتحت تأثير الخمر بدأ يأتي أمورًا خرقاء.. كان يتكلم باحتقار مع (الصعاليك المساكين) في حيه، كان يوجه إليهم أوامره ونواهيه.. وكان بمقدروه أن يتصدى لأمه وأن يكيل لها السباب والشتائم عندما يبلغ حد الثمالة.. وعندما هددته أمه بأنها ستطلب من والده أن يعاقبه ضحك الولد في وجهها. كانت الخمر تعطيه (احساسًا عظيمًا) وبدونها كان يظن أنه سيشعر بالوحدة والعجز. ويعد إدمان المخدرات أكثر شيوعًا من شرب الخمر في مرحلة المراهقة، وأود أن أصف حالة فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا أحضرها والدها لاستشارتي لأنها كانت (تزوغ من الحصص المدرسية للعب) وأعطاها والدها محاضرة مستفيضة عن الانضباط والقيم الأخلاقية، وكانت زوجته تومئ برأسها بما كان يشبه الاستحسان المفتعل، ولم تتفوه هى بكلمة سوى صباح الخير يا دكتور وإلى اللقاء يا دكتور بينما كان والدها يتكلم دون توقف ويسهب في العبارات التقليدية البالية. وتطلب الأمر بعض الوقت حتى تمكنت من أن اكتسب ثقة الفتاة حتى تتحدث معي بحرية. كانت حياتها المنزلية كابوسًا لا يحتمل، كان والدها بصورة عامة رجلاً حليمًا بعض الشئ ولكنه أحيانًا ما يفقد أعصابه ويؤكد ذاته بطريقة عنيفة، وكان يضرب زوجته ضربًا مبرحًا بين الحين والآخر متهمًا إياها بالخيانةوالإسراف في إنفاق المال وإساءة تدبير البيت وما إلى ذلك. ومع ذلك كان يطيع أوامر زوجته في أغلب الأحيان ولكن كلما اختلفا فإن مناقشتهما كانت مشادة كلامية أو شجار بالأيدي كانت الأم تخرج منه مصابة بكدمات بالغة الألم. وكانت الأم تنتقم من الأبناء لتثأر لنفسها، وكانت مريضتي وأختها الكبرى التي دخلت المستشفى لتناولها جرعة زائدة من المخدرات تعاقبان عقابًا بدنيًا لارتكابهما أقل وأتفه المخالفات لآوامر الوالد. كانت مريضتي التي تبلغ من العمر 14 سنة تشعر كما لو كانت حيوانًا أسيرًا في قفص وهى حبيسة بداخل بيت تتعرض فيه للعنف المتكرر من جانب الأم والأقل حدوثًا من جانب الأب. كانت تشعر بأنه ما من أحد يهتم بها، وكان استخدامها للعديد من المخدرات (أى نوع كانت تستطيع الحصول عليه) بمثابة هروب إلى عالم من الأمان والسكينة والسعادة الوهمية. كان والدا صديقتها يعملان وكانت مريضتي وعدد قليل من الأولاد والبنات يلتقون بصورة متكررة في بدروم المنزل في الصباح للاشتراك في تعاطي المخدراتبأنواعها دون تمييز. إن إدمان المخدرات عادة يكون عرضًا Symptom لمشكلات انفعالية أعمق، بمعنى أنه الدخان الذي يشع إلى نار قلق عميق الجذور. إن احدى الحالات المحزنة للغاية حالة شاب عمره 19 سنة قبض عليه لبيعه المخدرات، وبعد أن تمكن والداه من الإفراج عنه أحضره إلى عيادتي والدموع تنهمر من عيونهما لأنهما لم يستطيعا أن يصدقا أن هذا يمكن أن يحدث لابنهما. كان الوالدان زعيمين بارزين بمجلس المدينة في الضاحية التي كانا يعيشان فيها، وكانا يتمتعان بضمير حى واحساس بالمسئولية والذكاء. ولسوء الحظ فإنهما لم يوليا ابنهما إهتمامًا كافيًا وكانا يعتقدان أن أفكارهما وقيمهما من المكن أن تحميه من الوقوع في الخطأ والتعرض للمشاكل. وعندما أتصل بهما تليفونيًا من قسم الشرطة وأخبرهما بأنه قد تم القبض عليه فإنهما لم يصدقا هذا، وعندما قيل لهما أنه كان يبيع المخدرات تعرضا لصدمة عميقة وعنيفة للغاية. فهما لم يكونا على وعى بالمرة بأن ابنهما.. الولد اللطيف، الجذاب، الألمعي كان يقاسي بشدة ولسنوات طويلة من مشاعر الدونية والقلق وأنه كان يعاني من الاكتئاب بصورة متكررة. وكان في طفولته نحيفًا وغالبًا ما كان ملازمًا لفراشه بسبب العديد من الأمراض النفسية، وكان أقرانه يسخرون منه.. وغالبًا ما كانوا يتكتلون ضده ويعتدون عليه ولم يكن والده يتفهمه أو يعبأ بتفهمه.. وغالبًا ما كان ينتقد سلوكه المائع وكانت أمه من المؤمنين بالنظام والانضباط الصارم،وكانت ترفض أن ترى الواقع، كان الفتى يشعر بالوحدة وبأنه يساء فهمه.. كما كان يشعر بعدم الكفاية. وقررت أمه أن ما يحتاجه هذا الولد الخجول غير الآمن هو الانضباط الصارم ولذا أرسلته إلى مدرسة داخلية ذات إدارة صارمة تبعد كثيرًا عن بيته وما كان له من الأصدقاء القليلين وهذكا عرضته لانضباط جامد صارم لم يكن قادرًا على احتماله وفي هذه المدرسة كون صداقات مع أولاد آخرين كانوا يرسبون في المواد الدراسية، كما رسب هو نفسه في كل المواد الدراسية والتربية البدنية (الرياضية). كان يخاف مدرسيه وأقرانه ووجد مهربًا وملاذًا في المخدرات بأنواعها ما يرفع الحالة المعنوية وما يخفضها وأصبح مدمنًا بصورة خطيرة. وقد جاءني للعلاج بضع شباب آخرين من مدمني المخدرات وعدد قليل من مدمني الخمر تمتد أعمارهم من السادسة عشر إلى العشرين أغلبهم من طلبة الكليات يعانون من افتقاد الأمان والوحدة والخوف من مواجهة الحياة. إن الأطفال والمراهقين ليست لديهم القوة الكافية ليواجهوا بمفردهم صعاب سنوات نموهم فهم يحتاجون إلى المساندة والتشجيع الأبوي، فالآباء المتفهمون والودودون الذين يراعون حدودهم ويخلقون مناخًا نفسيًا يساعد على النمو السوي فإذا حدث بالصدفة أن جرب ابناءهم المخدرات فإنهم يستطيعون أن يوقفوا هذا بتحذير صارم وبإظهار الإهتمام بالصحة البدنية وأنهم ليسوا بحاجة إلى استخدام القوة.. فابنائهم يطيعونهم بدون تهديدات أو عقوبات. إن الآباء يلزم أن يتوصلوا إلى معرفة ما جعل ابنهم أو ابنتهم تنشد الهروب إلىالمخدرات، ما الذي يؤرقهم، ما الذي يخافونه؟ وما نوع الخوف الذي يحاولون الهرب منه؟ فطالما أن الأبناء يدركون ويرون آباءهم على أنهم ودودون ولكنهم ليسوا ضعفاء، وطالما أنهم يحظون بالحب والاحترام والثقة من جانب أبنائهم فإن لديهم فرصة كبيرة مواتية لمنع تعاطي المخدرات، وقد تمكنت احدى مريضاتي من معالجة موقف مفعم بالخطر بنجاح.. كانت ابنتها البالغة من العمر 15 عامًا تتصرف بطريقة غريبة وأحست الأم أن ابنتها كانت تجرب المخدرات فشرحت لها مخاطر الإدمان.. كانت الأم حازمة تمامًا ولكنها في الوقت نفسه كانت تحاول أن تفهم لماذا احتاجت ابنتها الخجولة إلى التعويض عن قلقها بالانضمام إلى جمهرة تستخدم المخدرات.. ونجحت في توجيه ابنتها. إن كل حالات تعاطي المخدرات تتطلب فعلاً مساعدة المتخصصين ولكن الحزم الأبوي والثقة التي لا تتزعزع يمكن أن يحولا دون وقوع العديد من المشاكل الكبيرة، فيلزم ألا يزيد الآباء من مخاوف وانزعاج ابنائهم بانعدام الثقة والصراحة والعقاب.. ويجب أيضًا ألا يعطوا أطفالهم الاحساس بأنهم لا يكترثون بما يعملون، فالتساهل الزائد غالبًا ما يدركه الأبناء على أنه تخلٍ عنهم ويؤكد احساس المراهق بأن ما من أحد يهتم به وأنه وحيد مع مخاوفه وهمومه وأنه لا فائدة من الإفضاء بأسراره لوالديه. تناول مخاوف المراهقينليس من اليسير على الآباء أن يتنالوا مخاوف المراهقة وذلك بسبب رئيسي هوأن الكثير من المراهقين يدركون آباءهم على أنهم ودودون ولكن ضعفاء، وهذا الافتقاد لاحترام الآباء يقلل من فرص نجاح المساعدة الأبوية. إن التخفيف من مخاوف المراهقين يتوقف على قدرة الآباء على التعامل بنجاح مع المراهقين.. إن الآباء يلزم ألا يتخلوا عن موقع القوة والتقبل حتى يصل أبناؤهم إلى النضج.. إن المراهقين يطلبون نصيحة الآباء الذين يرون أنهم أقوياء و ودودون بمعنى أنهم آباء جديرون بالاحترام ويمكن الاعتماد عليهم. وبالرغم من أن الآباء يلزم أن يقدموا المساعدة عند الضرورة فإن مهمتهم الأساسية هى تشجيع الأبناء على الاستقلال والاعتماد على الذات. فيلزم أن يعاملوا المراهقين والمراهقات على أنهم بالغين وليس على أنهم أطفال، كما يلزم أن يشجعوهم ويمتدحوا انجازاتهم وأن يحثوهم على إبداء رأى مستقل وأن يحترموا هذا الرأى. |
0 Comments: