داءُ السُّلِّ مرضٌ جرثومي تسبِّبه جرثومة تُدعى "المُتَفَطِّرة السُّلية"
داءُ السُّلِّ مرضٌ جرثومي تسبِّبه جرثومة تُدعى "المُتَفَطِّرة السُّلية"، حيث تهاجم هذه الجراثيمُ الرئتين عادةً، لكن بمقدورها أن تسبِّبَ الأذى في أجزاء أخرى من الجسم. ينتقل داءُ السُّل في
الهواء، وذلك عندما يسعل شخصٌ مُصابٌ بداء السُّل أو يعطس أو يتكلَّم. وإذا تعرَّض المرءُ للإصابة بداء السُّل، فيجب أن يزور طبيبَه من أجل إجراء الفحوص والتحاليل، حيث يُصاب الأشخاصُ الذين تكون مناعتُهم ضعيفة غالباً. قد تتضمَّن أعراضُ داء السُّل الرئوي:
• سعالاً حاداً يستمرُّ لمدَّة ثلاثة أسابيع أو أكثر.
• نقص الوزن.
• خروج الدم والمخاط مع السُّعال.
• الضعف أو التعب.
• الحمَّى والقشعريرة.
• التعرُّق الليلي.
إذا لم يتمَّ علاجُ المصاب بشكل صحيح، فقد يصبح داءُ السُّل مميتاً، ويستطيع المصابُ الشفاء من داء السُّل الفعَّال بتناول العديد من الأدوية لفترة طويلة من الزمن. أمَّا الأشخاصُ المصابون بداء السُّل الكامن، فيستطيعون تناولَ الأدوية بحيث لا يتطوَّر الداءُ الكامن إلى سُل فعَّال.
مقدِّمة
السلُّ هو عدوى جرثومية، تسبِّب وفيات أكثر من أي مرض مُعدٍ آخر في العالم. وعندما يصيب السُّلُّ طفلاً يُسمَّى سُلَّ الأطفال. وفي كل سنة، يموت بسبب سُل الأطفال حوالي 500 ألف طفل في العالم.
ولكن، هناك، ولله الحمد، علاجٌ للسُّل. وبفضل هذا العلاج، يتمُّ إنقاذ تسعة من أصل عشرة أطفال يُعانون من عدوى السُّل الفعَّال.
يتوجَّه هذا البرنامجُ التثقيفي إلى أهالي الأطفال المصابين بالسُّل أو الذين يمكن أن يُصابوا به؛ وهو يشرح معنى السُّل الكامن والسُّل الفعَّال؛ كما يتناول تشخيصَ السُّل ومعالجته وسبل الوقاية منه.
أسباب السل
السُّلُّ عدوى تسبِّبها جرثومةٌ تُسمَّى المتفطِّرة السُّلية، كما تُسمَّى عصيَّة السُّل أيضاً.
ينتقل السُّلُ من شخصٍ لآخر عبر الهواء، حين يسعل الشخصُ المصاب بالسلِّ الفعَّال أو يعطس أو يزفر الهواء.
بعد أن يلتقط الطفلُ العدوى، فإنَّ الجهازَ المناعي له يسيطر على جراثيم السُّلِّ، فتصبح العدوى كامنة أو محصورة. وحين تخرج الجراثيمُ عن السيطرة، تصبح العدوى فعَّالة.
بما أنَّ الطفلَ المصاب يُخرج عدداً قليلاً فقط من العصيَّات في أثناء زفيره، فإنَّه لا يعدي بالمرض إلاَّ من يسكن معه لمدَّة شهر أو أكثر.
تعدُّ التهويةُ الكافية هي الإجراء الأهمَّ للوقاية من انتقال عدوى السُّل.
لا ينتقل السُّلُّ عبر الأغراض الشخصية للطفل المصاب عادة، مثل الملابس أو السرير أو غيرها من الأشياء التي يلمسها الطفل.
الأطفالُ أقلُّ نقلاً للسُّل من البالغين.
العدوى الكامنة والعدوى الفعَّالة
عندما يتنفَّس الطفلُ هواء مُعدِياً، فإنَّ العصيات تدخل إلى الرئتين عبر القُصَيبات.
وفي نهاية القصيبات، توجد الأسناخ، وهي حويصلاتٌ أو أكياس تشبه البالون، حيث يأخذ الدمُ فيها الأكسجين من الهواء المستنشَق ويطرح ثاني أكسيد الكربون إلى الهواء المزفور.
تصيب عصياتُ السُّل الأسناخَ بالعدوى، والجهازُ المناعي يقاومها. يتألَّف الجهازُ المناعي من خلايا دمويَّة خاصَّة تتعرَّف على المادَّة الغريبة وتدمِّرها، بما في ذلك الفيروساتُ والجراثيم. وهذه الخلايا تُسمَّى الكريَّات البيض.
هناك كريَّاتٌ بيض خاصَّة تُسمَّى البالعات أو البَلاعِم، تقوم بمهاجمة جراثيم السُّل وتقتل الكثيرَ منها.
لجراثيم السُّل جدارٌ خلوي مؤلَّف من مادَّة شمعية معقَّدة، وهذا الجدارُ يحمي بعضَ الجراثيم داخل البالعات!
هناك خلايا خاصَّة في الجهاز المناعي تعمل على تطويق البالعات المصابة بالعدوى وعزلها. وتبدو الكتلةُ الناجمة عن البالعات المصابة المعزولة على شكل عُقَيدات صُلبة مائلة إلى الرمادي تُدعى الدَّرنات.
يمكن – للأسف - أن ينتشر السُّلُ لدى الطفل إلى الدم وبقيَّة الجسم، بما في ذلك الدماغ، بسرعة أكبر مقارنةً مع البالغين.
لا يستطيع الأطفالُ الذين لديهم ضعفٌ في جهاز المناعة، مثل الأطفال ناقصي التغذية أو المصابين بالإيدز، مقاومةَ السُّل، ويكونون أكثر عُرضة للمضاعفات الخطيرة لهذه العدوى. وحين تنتقل العصيَّاتُ إلى الرئتين والأجزاء الأخرى من الجسم، يصبح السُّلُّ فعَّالاً.
إذا كان الطفلُ الذي التقط عدوى السُّل بصحَّة جيدة، فإنَّ جهازه المناعي يسيطر على العدوى الأوَّلية، ويمكن أن تبقى عصيَّاتُ السُّل محصورة لديه لسنوات؛ وهذا ما يُسمَّى السُّلَّ الكامن، أي الهاجع أو الخفي.
يشفى معظمُ الأطفال المصابون شفاء تاماً بعد العدوى الأوَّلية؛ وتتكلَّس الدرناتُ، ولا يمكن للجراثيم أن تخرج ثانية.
في الكثير من الأطفال المصابين، تنشط العصيَّاتُ الموجودة داخل الدرنات في وقت لاحق عندما تضعف مناعةُ الجسم؛ وهذا يُسمَّى السُّلَّ الفعَّال.
السلُّ عند الأطفال مشكلةٌ كبيرة، لأنَّها تعني أنَّهم يلتقطون العدوى ربَّما من البالغين الذين قد ينقلونها إلى آخرين أيضاً. ويكون معظمُ البالغين الذين لديهم سلٌّ فعَّال مُصابين منذ سنوات، والآن أصبح السُّلُّ لديهم فعَّالاً.
أعراض السل
لا تظهر عندَ الأطفال علامات أو أعراض في بداية الإصابة بعدوى السل عادة؛ ولا توجد علاماتٌ حتَّى على صورة الصدر بالأشعَّة السينية! ولكن، يمكن أن يشكو الطفلُ بين فترة وأخرى من ضخامة في العقد اللمفية أو ربَّما من سُعال خفيف.
يمكن أن يسبِّبَ السُّلُّ للطفل التهاب سحايا وعدوى في الأذنين والكليتين والعظام والمفاصل.
يقتل الجهازُ المناعي للجسم العُصيَّات، كما تُقتل في هذه المعركة بعضُ خلايا الجسم؛ ثمَّ تتجمَّع كلُّ الخلايا الميِّتة معاً، وتشكِّل ما يُسمَّى الورم الحبيبي. وفي الورمِ الحبيبي، يمكن أن تبقى العُصيَّات حيَّةً، ولكنَّها لا يمكن أن تتكاثر.
مع موت المزيد من النسيج الرئوي وتزايد حجم الورم الحبيبي، تظهر التكهُّفات أو الأجواف في الرئة؛ وهذا ما يسمح بخروج الكثير من العُصيَّات وانتشارها في الجوِّ عندما يسعل الطفل.
مع نموِّ الورم الحبيبي في الرئتين، يزداد السعالُ عند الطفل ويظهر لديه ضيق النَّفس بسبب تضرُّر النسيج الرئوي.
كما يمكن للورم الحبيبي أيضاً أن يطال الأوعيةَ الدموية، مسبِّباً النزف في الرئتين، الأمر الذي يمكن أن يظهر على شكل خروج للدَّم مع السعال (القشع المدمَّى).
تشمل أعراضُ السُّل مناطقَ أخرى غير الرئتين، وذلك حسب العضو المصاب؛ فمثلاً، عندما يُصيب السُّلُّ العمودَ الفقري، يمكن أن يؤدِّي إلى آلام شديدة في الظهر أو إلى تشوُّهات فيه.
تشخيص السل
الطريقةُ الوحيدة لتشخيص السُّل عند طفل هي إجراء اختبار السُّل الجلدي، وهو اختبارٌ بسيط لا يتجاوز الألمُ فيه ألمَ لسعة النحلة.
في اختبار الجلد، يتمُّ حقنُ مادَّة تُدعى بي بي دي تحت الجلد في منطقة الساعد، حيث نفحص مكانَ الحقن بعد 48-72 ساعة؛ فإذا تشكَّل تورُّمٌ أحمر في مكان الحقن، فهذا يعني أنَّ لدى الطفل مرض السُّل، ولكن قد يكون غيرَ فعَّال.
يمكن أن تكون نتيجةُ الاختبار سلبية أحياناً، رغم أنَّ لدى الطفل عدوى سلُّية، وهذا يحدث عندما يكون الجهازُ المناعي لدى الطفل ضعيفاً عادة.
هناك اختبارٌ دموي أيضاً يُدعى كوانتي فيرون – تي بي يبيِّن ما إذا كان الطفلُ مُصاباً بالسُّل.
لتشخيص السُّل الفعال، يجب أن يعرف الطبيبُ ما هي الأعراض التي تظهر عند الطفل إذا تعرَّض لعدوى السُّل، وقد يحتاج إلى صورة شُعاعية بسيطة للصدر للتحرِّي عن السل.
الطريقةُ الوحيدة التي تؤكِّد إصابةَ الطفل بسُل فعَّال هي اختبار القشع أو البلغم.
يطلب الطبيب أيضاً أخذَ قشع وعيِّنات أخرى إلى اختصاصي علم الأمراض. ومن المهمِّ أن نعرف ما نوع جرثومة السُّل التي لدى الطفل لوصف الدواء الأكثر فعَّالية.
لمَّا كان من الصعب على الطفل أن يخرجَ القشعَ بالسُّعال، لذلك يمكن أن يحتاجَ الطبيبُ إلى وضع أنبوب في معدة الطفل لإخراج بعض السَّائل منها لاختباره؛ وهذه العمليةُ تُسمَّى رشفَ المعدة.
علاج السل
إذا جاءت نتيجةُ الاختبار الجلدي إيجابيةً، حتَّى إذا كانت علاماتُ السُّل غائبة عند المريض، ينبغي معالجتُه.
إذا لم يعالج الطفلُ، فإنَّ السُّل الفعال يمكن أن يكون قاتلاً. ولكن، عندما يُعالج السُّل، فإنَّه يشفى عادة.
يتوقَّف نجاحُ معالجة السُّل على التعاون بين الطفل والأهل والطبيب؛ فإذا أُعطِيَ الطفل الدواءَ، فهذا لا يعني أنَّه يتناوله، حيث إنَّ عاملَ الرعاية الصحِّية يراقب الطفلَ إمَّا بصورة مباشرة أو عبر الفيديو.
يتطلَّب علاجُ السُّل أكثرَ من دواء ولمدَّة سبعة أشهر. والأدويةُ المستخدَمة في علاج السُّل عادة هي الإيزونيازيد أو الريفامبين أو البيرازيناميد أو الإيثامبوتول أو الستربتوميسين. ويمكن أن يسبِّب الإيثامبوتول تغيُّرات في الرؤية، ولذلك فإنَّه لا يُنصَح بإعطائه لمن هم دون خمس سنوات.
لا يكون الأطفالُ المصابون بالسلِّ ناقلين للعدوى مثل البالغين؛ ففي غضون أسبوعين يصبحون غير ناقلين للعدوى عادة.
إذا لم يُعطَ الطفلُ الأدوية بالوتيرة الصحيحة والمدَّة الموصوفة، يمكن أن تصبح الجراثيمُ مقاومة للعلاج. لهذا، من المهمِّ جداً الالتزام بتعليمات الطبيب.
الوقاية من السل
هناك لقاحٌ للسلِّ يُدعى بي سي جي، فهو يقي من انتشار السُّل في الجسد، لكنَّه يقي من العدوى الأوَّلية. يُعطى لقاحُ السُّل لحديثي الولادة في مناطق معيَّنة من العالم، حيث ينتشر السل. ولكن لا يُنصَح بإعطاء لقاح السُّل لعامَّة الناس في الولايات المتَّحدة.
كما في كلِّ الأمراض المُعدِية، تُفضَّل الوقايةُ على العلاج؛ والوقايةُ من السُّل ممكنةٌ جداً.
إذا قام المصابون بالسلِّ بتغطية أفواههم وأنوفهم عند السعال والعطاس، فإنَّه يمكن الحدُّ من انتشار السل.
ومن أهمِّ طرق الوقاية من انتشار السُّل معرفةُ المصابين في وقت مبكِّر ومعالجتهم بالأدوية.
يمكن أن يقي الإيزونيازيد من السُّل، ويجب أن يُعطى للناس الذين:
لديهم سُل كامن.
هم على مخالطة لصيقَة مع مرضى السل.
كانوا في بلدان يكثر فيها السلُّ.
هم معرَّضون لخطر الإصابة بالسل.
أفضلُ طريقة للوقاية من السُّل عند الأطفال هي معالجة البالغين الذين يختلطون معهم؛ فالمرضى البالغون هم مصدرُ العدوى الأوَّل للأطفال.
الخلاصَة
السلُّ عدوى جرثومية يمكن أن تكون مميتة. ولكن، يتمكَّن الجهازُ المناعي للجسم من مقاومة العدوى ومحاصرتها عادة.
إذا كان الجهازُ المناعي ضعيفاً، يمكن أن تصبح جراثيمُ السُّل المحاصرة فعَّالةً، وتنتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم؛ وهذا هو السُّلُّ الفعَّال.
بفضل التقدُّم الطبي، أصبح من الممكن معالجة السُّل الفعَّال. ولكن، من المهمِّ جداً الالتزامُ بالمعالجة الموصوفة.
يمكن الوقايةُ من السُّل من خلال إجراءات النظافة، مثل التهوية الجيِّدة وتغطية الفم في أثناء السُّعال. كما يُعطى اللقاحُ لبعض الأطفال، ويُنصَح بإعطائه لمن يعيشون في مناطق تكثر فيها الإصابةُ بالسُّل.
0 Comments: